قوله جل ذكره: {يُسَّبِحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأَرْضِ}.تَسْبَحُ في بحارِ توحيد الحقِّ أسرارُ أهلِ التحقيق، وبَحْرُهم بلا شاطئ؛ فبعد ما حصلوا فيها فلا خروجَ ولا براحَ، فحازت أيديهم جواهرَ التفريد فرصَّعوها في تاج العرفان كي يَلْبَسُوه يومَ اللِّقاء.{الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعِزِيزِ الْحَكِيمِ}.{الْمَلِكِ}: الملك المتفرِّد باستحقاق الجبروت.{الْقُدُّوسِ}: المُنزَّهُ عن الدرك والوصول: فليس بيد الخَلْقِ إلاَّ عرفان الحقائق بنعت التعالي، والتأمل في شهود أفعاله، فأمَّا الوقوف على حقيقة أنِّيته- فقد جَلَّتْ الصمديةُ عن إشرافٍ عليه، أو طمعِ إدراكٍ في حالٍ رؤيته، أو جواز إحاطةٍ في العِلْم به.. فليس إلا قالة بلسانٍ مُسْتَنْطقٍ، وحالة بشهودِ حقِّ مستغرق.وقُلْنَ بنا: نحن الأهِلَّة إنما *** نُضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نَقْرِيقوله جل ذكره: {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّنَ رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيِهمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكَتَابَ وَالْحِِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.جرَّده كلِّ تكلُّفٍ لِتَعَلُّمٍ، وعن الاتصافِ بتطَلُّبٍ. ثم بَعَثَه فيهم وأظْهَرَ عليه من الأوصاف ما فاق الجميع.فكما أيْتَمَهُ في الابتداء عن أبيه وامِّه، ثم آواه بلُطْفِه- وكان ذلك أبلغَ وأتمَّ- فإنه كذلك أفرده عن تكلُّفِه العلم- ولكن قال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ} [النساء: 113].وقال: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكَتَابُ وَلاَ الإِيَمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً} [الشورى: 52] ألبسه لباسَ العِزَّة، وتوجَّه بتاج الكرامة، وخَلَعَ عليه حُسْنَ التولِّي. لتكونَ آثارُ البشرية عنه مندرجة، وأنوارُ الحقائقِ عليه لائحة.